يسرى محمد Admin
عدد الرسائل : 14 العمر : 63 الموقع : عبد القوى الاعلامى العمل/الترفيه : مقاول صيد السمك وركوب الدراجات والسفر المزاج : عالى تاريخ التسجيل : 29/03/2009
| موضوع: الفتنه وناشريها الثلاثاء 29 سبتمبر - 10:36:18 | |
| هذا هو الإسلام ـ حديث القرآن عن الفتنة وناشريها ـ الاستهانة بالمعاصي ـ بقلم: د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهــر الشريف 29 اكتوبر, 2007
.. قد يأتي لفظ الفتنة بمعني: توهم أن المعاصي لا تؤدي إلي العقاب, ومن الآيات القرآنية التي حذرت الناس من هذا التوهم, ومن أن سنن الله ـ تعالي ـ في خلقه تحارب هذا التوهم... من هذه الآيات قوله ـ تعالي ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوي أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون, وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون)[ سورة المائدة: الآية:70 ـ71]. والمقصود بالميثاق هنا: العهد الموثق والمؤكد الذي أخذه الله ـ تعالي ـ علي بني إسرائيل بواسطة أنبيائهم, بأن يؤدوا ما كلفهم به ـ سبحانه ـ من تكاليف, وأن يتبعوا النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ عند ظهوره. والمعني: والله لقد أخذنا العهود المؤكدة علي بني إسرائيل, بأن يعبدوني ولا يشركوا معي في العبادة أحدا, وبأن ينفذوا ما أمرتهم به, وبأن يجتنبوا ما نهيتهم عنه, وأرسلنا اليهم رسلا كراما لكي يتعهدوهم بالتبشير والإنذار, ولكي يرشدوهم إلي ما ينفعهم ويصلحهم... وقوله ـ عز وجل( ... كلما جاءهم رسول بما لا تهوي أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) بيان لموقفهم السييء من الميثاق الذي أخذه خالقهم عليهم ومن الرسل الكرام الذين أرسلهم الله ـ تعالي ـ لهدايتهم وسعادتهم. أي: أخذنا الميثاق المؤكد عليهم, وأرسلنا إليهم رسلا كثيرين لهدايتهم, ولكنهم نقضوا العهود, وعصوا الرسل, فكانوا كلما جاءهم رسول بما لا تشتهيه نفوسهم الشقية, وبما لا تميل إليه قلوبهم الردية, ناصبوه العداء, فكذبوا بعض الرسل, ولم يكتفوا مع البعض الآخر بالتكذيب, بل أضافوا إلي التكذيب القتل لبعض الرسل. وقال ـ سبحانه ـ: ( ... بما لا تهوي أنفسهم.. .) للمبالغة في ذمهم, إذ هوي النفس, ميلها في الغالب إلي الشهوات التي لا تنبغي, والرسل ما أرسلهم الله ـ تعالي ـ إلا لهداية الأنفس, وكفها عن شهواتها التي يؤدي الوقوع فيها إلي المفاسد. وهكذا الأمم عندما تفسد عقولها, وتسيطر عليها الأطماع والشهوات, تري الحسن قبيحا, وتحارب من يهديها إلي الرشاد حتي لكأنه عدو لها. ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أنهم مع ما فعلوه مع رسلهم من التكذيب والقتل لم ينزجروا ولم يندموا وإنما بلغ بهم السفه والغفلة والغرور أنهم ظنوا أن ما فعلوه شيئا هينا, وأنه لن يكون له أثر سييء في حياتهم. فقال ـ تعالي ـ: ( وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون) . وقوله ـ تعالي: وحسبوا من الحسبان بمعني الظن. ولفظ فتنة المراد به هنا في هذه الآية: العقوبات والمصائب التي تنزل بالناس بسبب بغيهم وظلمهم وإصرارهم علي النفاق والشرك والخروج عن طاعة الله ـ تعالي.. وقوله ـ سبحانه ـ: فعموا وصموا من العمي الذي هو ضد الإبصار, ومن الصمم الذي هو ضد السمع, وقد استعير هنا للإعراض عن دلائل الهدي والرشاد التي جاء بها الرسل الكرام, عليهم الصلاة والسلام.. والمعني: إن بني إسرائيل قد أخذنا عليهم العهد المؤكد, وأرسلنا إليهم الرسل لهدايتهم فكان حالهم أنهم كذبوا بعض الرسل, وقتلوا البعض الآخر, ولم يكتفوا بهذا, بل توهموا ـ لغرورهم وجهلهم ـ أنهم مهما فعلوا من رذائل لن يصيبهم بلاء أو عقوبة, فترتب علي جهالاتهم هذه أن تمادوا في فنون البغي, وعموا وصموا عن اتباع الحق ثم كان من رحمة الله ـ تعالي ـ بهم أن قبل الله ـ تعالي ـ توبتهم بعد أن رجعوا عما كانوا عليه من فساد, ثم نكسوا علي رءوسهم مرة أخري, فعادوا إلي ارتكاب الفواحش والقبائح, إلا عددا قليلا منهم استمر علي توبته, فغفر الله ـ تعالي ـ له خطاياه, والله ـ تعالي ـ لا يخفي عليه شيء من أحوال خلقه. فالآية الكريمة توبيخ شديد لكل من ارتكب الموبقات ثم استمر علي ذلك, متوهما أن الله ـ تعالي ـ لن يعاقبه علي أقواله السيئة وأعماله القبيحة, وسلوكه الذميم. وهذا شأن الأمم اذا ما استحوذ عليها الشيطان, وتغلب عليها حب الشهوات, وكثر فيها الجاهلون والمغرورون الذين يظنون أنهم أبناء الله وأحباؤه, وأنه ـ سبحانه ـ لا يحاسبهم علي ظلمهم. وقوله ـ سبحانه ـ: كثير منهم دل علي أن العمي والصمم قد حدث لأكثرهم, وأن هناك قلة منهم قد بقيت علي إيمانها وصدق توبتها. وهذا من إنصاف القرآن للناس في أحكامه, ومن دقته في ألفاظه, ومن احتراسه فيما يصدره من أحكام.
نقلا عن جريدة الأهرام
| |
|